هل يجوز اخراج كفارة الصيام بعد رمضان .. يتابع “جديد اليوم ” تقديم خدماته “فتوى اليوم”، حيث ورد سؤال لدار الإفتاء نصه..ما هو وقت إخراج فدية صوم رمضان لغير المستطيع للصيام بعذرٍ دائمٍ؟ وهل يجوز إخراجها قبل إجابات الشهر الكريم؟
الأصل فيمن وجبت عليه فدية الصوم لعذرٍ مستديمٍ أن يُخرجها يومًا بيومٍ، أو دفعةً واحدة فى نهاية الشهر، ويجوز تقديم إخراجها أول الشهر على ما ذهب إليه السادة الحنفية، ولا يجزئ إخراجها قبل دخول الشهر الكريم اتفاقًا.
هل يجوز اخراج كفارة الصيام بعد رمضان
صيام رمضان ضروريٌ على كل مسلمٍ مكلَّفٍ صحيحٍ مُقيم، والواجبات التشريعية منوطةٌ بالقدرة والاستطاعة؛ فإذا عجز المكلَّف عن الصوم أو لحقَتْه منه مشقة لا قدرة له على تحملها: جاز له الإفطار شرعًا؛ لتصريحه تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقول النبى صلى الله فوقه وآله وسلم: «..فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا استطعتمْ» متفقٌ أعلاه.
ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184]، والمعنى: أنه يُرَخَّص للمسلم المكلَّفِ السقيمِ مرضًا يُرجَى بُرؤُه ولا يمكن له معه الصومَ -وللمسافرِ أيضا- الإفطارُ فى رمضان، ثم عليهما القضاءُ حتى الآن زوال العذر والتمكن من الصوم.
أما إذا كان موبوءًا مرضًا لا يُرجَى شفاؤه -بقول أهل التخصص- ولا يَقْوَى بصحبته على الصيام، أو كان ضخمًا فى السن؛ بحيث يعجز عن الصيام وتلحقه مشقةٌ شديدةٌ لا تُحتَمَل عادةً؛ فلا يجب أعلاه تبييتُ نية الصوم من الليل، ولا صيامَ فوقه أن بات فى نهار رمضان، وفوقه فدية؛ إطعامُ مسكين عن كل يومٍ من الأيام التى يفطرها من رمضان، وقدر هذه الفدية مُدٌّ من القوت من غالب قوت الجمهورية، والمد عند الحنفية: يساوى رطلين بالعراقي؛ أي: 812.5 جرامًا، وعند المتابعين: رطلٌ وثلثٌ بالعراقي؛ أي: 510 جرامًا، وهو الذي فوق منه الفتوى. ويجاز إخراجها بالثمن، بل ذاك أولَى؛ لأنه أنفع للمسكين وأكثر تحقيقًا لمصلحته، وتُخرَج من تركته إذا ترك ما يوفى بها، فإن قَوِى بعد ذاك على الصوم فلا قضاء فوقه؛ لأنه مُخاطَبٌ بالفدية ابتداءً مع حالته المنوه عنها.
وأما وقت إخراج الفدية:
خسر اتفق الفقهاء القائلون بضرورة الفدية على غير القادر على الصيام لعذرٍ متواصلٍّ -وهم متابعين الفقهاء ما عدا المالكية- على أنه يُجزئ فيها أن يُخرجها مَن تَجِبُ أعلاه كلَّ يومٍ بيومه؛ فتُصرف عن اليوم الحالي عقب طلوع الغداة، ويجوز أن تُقدم على طلوع الغداة وتُخرَج ليلًا؛ مثلما تجوز النية من الليل لو كان قادرًا على الصيام، كما يجوز تأخيرها بحيث يدفعها جملةً فى نهاية الشهر؛ قال العلامة ابن نجيم الحنفى فى “البحر الرائق” (2/ 308-309، ط. دار الكتاب الإسلامي): [فى “فتاوى أبى حفص الكبير”:.. وإن شاء أعطاها -أى الفدية- فى آخره بمرةٍ] اهـ.
وصرح الإمام النووى الشافعى فى “المجموع” (6/ 161، ط. دار الفكر): [ويجوز -أى إخراجُ الفدية- بعد طلوع الفجر من يوم رمضان للشيخ عن ذلك اليوم، ويجوز قبل الفجر أيضًا على المذهب، وبه قطع الدارمي] اهـ.
واختلفوا فى تعجيل إخراجها من أول الشهر الكريم عن جميع أيامه:
فذهب الشافعية إلى أنه لا يُجزئ؛ لما فى ذاك من تقديم الحكم على دافع وجوبه
وهو مقتضى نُظم الحنابلة؛ والفدية من العبادات النقدية، وسبب وجوبها هو العجز عن الصوم الضروري؛ فلا يجوز تعجيلها أول الشهر عن جميع أيامه.
وذهب الحنفية إلى جواز إخراج الفدية عن الشهر كاملًا أول شهر رمضان، مثلما يجوز يملكون تأخيرها إلى نهاية الشهر.
واتفقوا على أساس أنه لا يصح تقديم فدية الصوم قبل دخول شهر رمضان:
– نَصَّ على ذاك الشافعيةُ؛ قال الإمام النووى الشافعى فى “المجموع” (6/ 161): [لا يجوز للشيخ الهَرِمِ والحامل والمريض الذى لا يُرجَى بُرؤُهُ تقديمُ الفدية على رمضان] اهـ.
وعلى ذاك: فيجب إخراج الفدية عند وجوب الصيام لا قبل ذاك؛ فلا يجوز إخراجها قبل دخول شهر رمضان.
فإن قيل: لِمَ أجزتم تعجيل إخراج الزكاة قبل مرور الحول ولم تُجيزوا إخراج الفدية قبل وقت وجوبها؟
قلنا: أن الزكاة عبادةٌ لها حجةُ وجوبٍ؛ هو الوصول إلى المال القابل للنماء النصابَ، وشرطُ ضرورةٍ؛ هو مرور الحول في أعقاب هذا؛ ففعلها قبل سبب وجوبها لا يمكن، وبعده يجوز وإن لم يتحقق إشتراط الوجوب. ومن هنا جاز تعجيل إخراج الزكاة قبل مرور الحول الذى هو شرط وجوبها؛ إذا تحقق النصاب الذى هو دافع وجوبها.
أما الفدية: فسبب وجوبها هو العجز عن الصوم عقب دخول رمضان؛ فلم يجز تقديم الفدية فوقه؛ لأنه لا يمكن تقديم الحكم على سببه؛ صرح الشيخ الرويانى الشافعى فى “بحر المذهب” (3/ 297، ط. دار الكتب العلمية): [والأصل فيه -أى فى أداء الفدية-: أن سبب وجوب الفدية هو الإياس من القدرة على الصوم، وله سببٌ آخر؛ وهو دخول زمان رمضان، وحالة وجوبٍ؛ وهى إذا غربت الشمس اليوم، ألَا ترى أنه لو مات قبل غروب الشمس لم يلزم فى ماله فديةُ ذلك اليوم؛ لعدم القدرة، فإذا أدى الفدية بعد وجود السبب الأول وبعد دخول زمان السبب الثاني؛ جاز، وإلا فلا يجوز؛ كما جاز أداء زكاة المال بعد وجود النصاب قبل الحول، ولا يجوز قبل النصاب] اهـ.
وإنشاءً على ما سبق: فالأصل فيمن وجبت أعلاه فدية الصيام لعذرٍ مستديمٍ أن يُخرجها يومًا بيومٍ، أو دفعةً واحدة فى نهاية الشهر، ويجوز تقديم إخراجها أول الشهر على ما ذهب إليه السادة الحنفية، ولا يجزئ إخراجها قبل دخول الشهر الكريم اتفاقًا.