دور الإعلام في ثورة 30 يونيو 2022 … تناقش تلك الورقة ظرف الإعلام المصري، وتبحث كيف أثّر الإعلام في تطورات المرأى السياسي في جمهورية مصر العربية سواء في حين يختص تعميق ظرف عدم اليقين والالتباس، أو لصعود حدة الاستقطاب.

حتى الآن ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير وجد الإعلام المصري بجناحيه الحكومي والخاص نفسه -ما إذا كان راغبًا أو مضطرًا- جزءًا من حالة الاستقطاب والتجاذب السياسي التي شهدتها جمهورية مصر العربية منذ بداية استحقاق سياسي أعقب رحيل مبارك عن السلطة.

دور الإعلام في ثورة 30 يونيو 2022

لكن هذا الإعلام دخل بعد الثلاثين من حزيران/حزيران 2013، منحنىًا خطيرًا جعله يصبح وسيلة صريحة من لوازم المشاحنة ما بين السلطة الانتقالية التي أتت في أعقاب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي وبين أعدائها الساسة وعلى قمتهم جماعة الإخوان المسلمين.

وكانت نتيجة ذلك انكماشًا لافتًا في القيم المهنية في التأدية الإعلامي ترافق مع تقهقر أكبر في منطقة الحريات الصحفية ولاسيما للصحافة التي تمنح منظورًا مغايرًا لما تريده السلطة أو الإعلام التابع لها.

وقد دفعت الميديا الأجنبية سعرًا عارمًا لتلك الظروف خلال الأشهر الفائتة سواء من حيث عدد المحبوسين سياسيا أو الذين تعرضوا للاعتداء والمضايقة.

هناك من يشاهد أن هذه اللحظة تعبير عن محنة بنيوية تتعلق بنمط الملكية والبنية التشريعية التي تعمل فيها الفضائيات والمواقع والصحف والتي تجعلها مستديمًا جزءًا من المناحرة السياسي، ومن ناحية أخرى هناك من يشاهد أن الأزمة مرحلة عابرة ومرتبطة بالظرف الاستثنائي الذي تعيشه جمهورية مصر العربية حاضرًا.

كان للإعلام المخصص في جمهورية مصر العربية بشقيه: المكتوب والمرئي دور لا يُنكر في موقف الحراك السياسي التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني مستغلاً في ذلك ثلاثة عوامل: أولها: هامش الحرية النسبي الذي إستمتاع به هذا الإعلام، وثانيًا: الدرجة المعقولة من المهنية الخبرة المهارية التي تميز بها العاملون في ذلك القطاع

، وثالثها: موقف الفراغ السياسي وضعف شركات البلد في أواخر عهد مبارك سواء مجلس الشعب أو الأحزاب؛ حيث حاول الإعلام لملء هذا الفراغ وتحولت قليل من البرامج التليفزيونية على الفضائيات الخاصة لتغدو مجالات للنقاش والسجال السياسي التي كان يفترض أن تكون أسفل قبة البرلمان أو ضِمن أروقة الاحزاب السياسية.

إلا أن هذا الدور إستمر محكومًا بتفاهمات غير معلنة بين الإطار الوالي وبين مالكي تلك الفضائيات والصحف بخصوص مجموعة من الخطوط الحمراء التي تعرّض كل من يحاول تجاوزها أو التمرد عليها للتضييق وربما الملاحقة من جانب معدات البلد خصوصا أن أغلب مالكي تلك القنوات هم من البيزنيس من الذين ارتبطت تطلعات معظمهم بصورة فورا بالنظام.

وبالتالي ظلت الحرية الممنوحة للميديا في توجيه نقدها لبعض السلبيات والفساد داخل المجتمع ومؤسسات البلد حرية ذات سقف محدد ومشروطة بعدم الخوض في موضوعات بعينها مثل توريث الحكم أو توجيه الإنتقاد لشخص الرئيس وعائلته والدائرة المقربة منها. ولعل هذا ما يفسر موقف الارتباك وعدم الثبات وفقدان التوزان التي وجد ذلك الإعلام ذاته فوق منها طوال الأيام الأولى للثورة وحتى خروج مبارك.

شكّلت لحظة مغادرة مبارك نقطة فارقة في سَفرة الإعلام المصري الذي وجد ذاته فجأة متحررًا من كل القيود التطلع والإدارية التي كانت تحكمه خلال عقود، فكان أن تحولت الحرية الضخمة وتداعي القيود إلى ما سماه البعض بلبلة إعلامية ترافقت مع ظهور عشرات القنوات الفضائية والصحف المختصة

الأمر الذي زاد من موقف الانفلات الإعلامي دون ضوابط أو قواعد تحكم الأداء الإعلامي فيما لم تقم السلطة الانتقالية التي تولت الحكم ممثلة في المجلس العسكري بأية خطوات لإرجاع تحضير الإعلام المصري هيكليًا وقانونيًا بما يناسب الواقع الجديد.

ومع بداية موقف الاستقطاب والانقسام بين القوى السياسية التي شاركت في الثورة والتي برزت مع أول استحقاق سياسي تعتبر في استطلاع الرأي على التحديثات الدستورية في 19 مارس/آذار 2011، وجد الإعلام المصري نفسه جزءًا من ذاك السجال من خلال الإهتمام الضخم على المناحرة الدائر بين الإسلاميين من جهة والعلمانيين والليبراليين من جهة أخرى، وقيام الصحف الموالية لهذه الأحزاب بشن حملات في مواجهة الآخر، دون انتباه لمصلحة الوطن الذي يتطلب إلى الاستقرار وإلى مؤازرة الجميع من أجل إسترداد الإنشاء”.(1)

ومع تعمق وضعية الاستقطاب تلك تبدل الإعلام بشقيه الحكومي والخاص لأداة من عتاد الصراع السياسي والمجتمعي التي عاشتها وتعيشها البلاد وبرز هذا واضحًا في مختلف الاستحقاقات السياسية التي شهدتها مصر منذ استفتاء 19 مارس/مارس 2011 وحتى الآن.

الإعلام المصري: جلاد أم ضحية؟

هل يمكن حفظ ملف الإعلام وحده المسؤولية عن الاستقطاب السياسي الذي تعيشه مصر حاضرًا؟ وهل حقاً يمكن القول: إن الإعلام أطاح بالرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين من الحكم في جمهورية مصر العربية؟ هل تورط الإعلام في مستنقع السياسة بإرادته أم أنه وجد ذاته مجبرًا على ذاك؟ هذه بعض الأسئلة المطروحة بشدة على الساحة السياسية والإعلامية في مصر وربما خارجها.

وفي ذلك النسق هنالك وجهتا نظر بين مختصون الإعلام في الاجابة على هذه الأسئلة: الأولى: تتبنى المقترح القائل بالدور العصيب للإعلام في النفوذ على الأوضاع السياسية عن طريق ما يبثه من أخبار ومواد وما يتبناه من مواقف، وبالتالي فإن الإعلام يمكن أن يشكل وسيلة للهدم بمقدار ما يمكن أن يشكل أداة للبناء

إلا أن هناك من يأخذ على الرأى تلك المبالغة الشديدة في الحديث عن دور الإعلام ومعدل تأثيره على مسارات الأشياء وأن تلك المبالغة ملمح لصيقة بالأنظمة الشمولية التي تجعل من الإعلام شماعة يعلق فوقها السياسيين والحكام أخطاءهم وفشلهم من خلال الادعاء بأن الإعلام يتحمل مسئولية كل الأزمات والكوارث ويثير استنكار الناس على الحكم.

أما الرأى الأخرى فترى أنه يقتضي عدم حفظ ملف الإعلام مسؤولية أخطاء السياسيين لأن الإعلام مها وصل تأثيره يوجد بحت ناقل لما يجري على الأرض من أحداث بكونه مرآة عاكسة للواقع لا تملك مهما حاولت أن تجمّل القبيح أو تجعل الجميل قبيحًا. إلا أن هنالك وجهة نظر ثالثة ربما تكون أكثر مصداقية تتبنى ظرفًا وسطًا يرى أن الإعلام يمثل دورًا حاسمًا وفعالًا جدًا في مسار الوقائع لكنه ليس المسؤول وحده عن إشعال ثورة أو إسقاط نظم أو خلق موجة من الاستقطاب أو إنهائها.

وإذا ما طبقنا المنظور الأخيرة على واقع المشهد الإعلامي الموجود في جمهورية مصر العربية يمكن القول: إن الإعلام لعب دورًا هامًا في تكريس وتعميق وضعية الاستقطاب التي تعيشها البلاد لكنه لم يختلقها من الفراغ لأن كل أسباب الاستقطاب والانقسام كانت قائمة على الأرض.

ومع أن أغلب متخصصون الإعلام يرون أن ما يشاهده الإعلام المصري هو خاصية كل المراحل الانتقالية والتحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي يشهدها أي مجتمع

لكن في الحالة المصرية أسهَم الإعلام في تصاعد وضعية الاستقطاب والكراهية في المجتمع وكذلك في تعميق ظرف الالتباس وعدم اليقين إذ “تورط بصورة قوية وربما لم تحدث قبل ذلك في تجارب التبدل الديمقراطي الحديث في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية، كما ازدادت فيه درجات التسيس والافتقار للمهنية أضف إلى الانقسام الثقافي والسياسي على الأرجح بدرجة تفوق ما كان متواجدًا في عهد مبارك”