خطبة الجمعة القادمة اشرف رضوان .. الحمدلله للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ العزيزِ: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وأشهدُ أن لا إلهَ سوى اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ سيدَّنَا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُهُ، اللهم صل وسلمْ وباركْ أعلاه، وعلي آلهِ وصحبهِ، ومن تبعَهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدين.

خطبة الجمعة القادمة اشرف رضوان

لجميعِّ أُمَّةٍ شِعَارٌ, وقَد أَنعَمَ اللهُ – تَعالى- على أُمَّةِ العَرَبِ بِأفْصَحِ لِسانٍ، وأَقوى بَيَانٍ، ثُمَّ كانَ تَاجُهَا وفَخَارُهَا مَنْ أوتِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ وهوالقائِلُ “: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا”، فلقد مَنَّ اللهُ هلم علينا بأَفضَلِ لُغةٍ في الأكوانِ إنَّها لُغةُ القرآنِ الكَريمِ فهيَ أَسَاسُ الُّلغَةِ وَتَاجُهَا وشِعَارُهَا.

فالُّلغةُ العَرَبِيَّةُ: حَامِلةُ لرِسَالِةِ الإسلامِ، وأدَاةُ لتَبليغِ الوَحيَينِ, مَحفُوظَةٌ بِرعايةِ القُرآنِ الكَريمِ، واللهُ تعالى قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)[الحجر: 9]، هي لُغَةُ الإعجَازِ الإِلَهيِّ والإبْدَاعِ الأَدَبِي، والعَرَبُ عامَّةً وقُريشٌ خاصَّةً تَعرِفُ قِيمَةَ الُّلغةِ ومَدْلُولاتِهَا ومآلاتِهَا.

واللغةُ العربيةُ هي الحاويةُ الحاملُ للمعاني والثقافاتِ، وهي أحدُ أبرزِّ عواملِ تأسيسِ الهويةِ، والتأثيرِ في بناءِ الشخصيةِ، فمَن يتحدثْ لغتين يجمعْ بين ثقافتين، ومَن يتكلمْ ثلاثَ لغاتٍ يجمعْ ثلاثَ ثقافاتٍ، ويقرأْ مردودَ أذهانٍ وفيرةٍ، غيرَ أنّ لغةَ الإنسانِ الأمِّ تستمرُّ واحد منَ أهمِّ الأسبابِ في إستحداثِ ثقافتِهِ، فالذي لا يفهمُ أسرارَ لغتهِ غير ممكنُ أنْ يعيَ كُنهَ ثقافةِ أناسٍ ولا أنْ يسبرَ أغوارَهَا .

ولَمَّا ضَاقتْ قُريشٌ بالقُرآنِ الكريمِ وبأُسلُوبِهِ وبَيَانِه ذْرعاً, طَلَبَتْ من المولودِ ابنِ المُغيرةِ أنْ يَقولَ في القُرآنِ قَولًا يَبْلُغُ قَومَهُ أنَّهُ كَارِهٌ لَهُ، ومُنكِرٌ لهُ! فقَالَ الوليدُ: وَمَاذَا أَقُولُ فَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاَوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاَهُ, مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ!

أسمِعتم ذاك الوَصفَ البَليغَ من أهلِ البلاغَةِ والُّلغةِ؟! ألا يَحِقُ لَكم يا عرَبُ أنْ تَفخَروا بِلُغَتِكُم وتُحافِظُوا فوق منها وَتَذُودُوا عن حِياضِهَا؟! فالقُرآنُ الكَريمُ نَزَلَ بها، فَقَالَ سُبحانَهُ: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 192- 195].

وَرَبَطَ -سُبحانَهُ- بينَ الِّلسَانِ العَرَبِيِّ وَبينَ إعمَالِ العَقلِ فَقَالَ تَعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2] فَبِحمدِ اللهِ تَفَاعَلَ المُسلِمونَ مَعَ القُرآنِ فَأعمَلُوا عُقُولَهُم وأنتَجُوا حَضَارَةً لا تُنكَرُ، وَرَبَطَ اللهُ -تَعالى- بين الُّلغةِ العَرَبِيَّةِ وبينَ الدَّعوةِ إلى العِلمِ، فقال هلم: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[فصلت: 2]، فَنَطَقَ بِها المُسلِمُ وغَيرُهُ، وَصَارَتْ اللُّغَةُ ضَرُورَةً في كُلِّ فَنٍّ فَأَلَّفُوا المَعاجِمَ التي سَهَّلتْ لِلنَّاسِ النُّطقَ بِها.