خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير مكتوبة pdf .. الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونتوبُ إليه ونستغفرُه ونؤمنُ به ونتوكلُ عليه ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا؛ ونشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ صلى الله عليه وسلم.أما بعد:
أولًا: أهميةٌ ومنزلةٌ المواساةِ في الإسلامِ
مِن أهمِّ الأخلاقِ الإسلاميةِ التي دعانا إليها الدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ خلقُ ” المواساةِ ” .
والمواساةُ: تدلُّ على المداواةِ والإصلاحِ، يُقال: أسوتُ الجرحَ إذا داويتُه، ولذلك يُسمّى الطّبيبُ الآسيِ. ويُقال: آساهُ بمالهِ: أنالَه منه وجعلَه فيه أسوةً ؛ فالمواساةُ تعني المشاركةَ والمساهمةَ في المعاشِ والرزقِ.
ولقد كان صلى اللهُ عليه وسلم مثالًا حيًّا للمواساةِ، فعَنْ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ قَالَ:” إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِّمُونِي بِهِ، عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ “. (مسند أحمد وحسنه الأرناؤوط) .
وعلى هذا المبدأِ تخرجَ الصحابةُ الكرامُ من مدرسةِ المواساةِ المحمديةِ، فهذا أبوبكرٍ رضي الله عنه يواسي الرسولَ بنفسهِ ومالهِ، وفي ذلك يقولُ صلى اللهٌ عليه وسلم:” إِنَّ أَبَا بَكرٍ وَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ” . (البخاري) .
وما أروعَ ما أثنى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على خديجةَ -رضي الله عنها- بعد موتِها بخلقِ المواساةِ، فَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: ” مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ ” . (أحمد وصححه الأرناؤوط ) .
وكذلك الأنصارُ في مواساتِهم للمهاجرين؛ فَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ” لَا مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ”. ( الترمذيُّ بسندٍ صحيحٍ ) .