ما هو حكم القذف في المحصنات ؟ … حمت الشريعة الإسلامية مظاهر واقترانات الناس وسمعتهم وكرامتهم، وقررت إجراءات عقابية رادعة لكل من يتطاول على أعراض الإناث أو الرجال بفعل أو قول، حرصاً على الحرمات والكرامات، وتوفيراً لكل أنواع الأمن السيكولوجي للشخصيات والجماعات. ومن قلب العقوبات العادلة التي قررتها شريعة الإسلام، حرصاً على أعراض الناس وسمعتهم إجراء عقابي «حد القذف»، وهي إجراء عقابي كما يؤكد علماء الشريعة وأساتذة الفقه، حاسمة وكفيلة بالقضاء على كل ما نتفرج عليه هذه اللحظة من إسفاف وتطاول على المظاهر والاقترانات سواء في علاقات الناس بعضهم ببعض، أو من خلال عدد محدود من الميديا التي تمارس إسفافاً يمس بالأعراض ويشوه السمعة.
وعقوبة القصف ورد النص أعلاها في كتاب الله الخاتم في قول الحق سبحانه: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم 80 جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون».
القذف معناه «الرمي»، والمراد به هنا: السباب بفاحشة الزنى أو ما يستلزمه كالطعن في النسب.. والمراد ب«المحصنات»، السيدات العفيفات الطاهرات البعيدات عن كل ريبة وشبهة، وسميت المرأة العفيفة بهذا لأنها تحظر نفسها من كل سوء.
والإحصان يطلق على المرأة والرجل إذا توافرت فيهما صفات العدالة والاستقامة، والالتزام بالإسلام وآدابه وأخلاقياته، والإعفاف الكريم من خلال الزواج، وغير ذلك من الصفات الكريمة.
والله عز وجل خص السيدات بالذكر هنا كما يقول د. القصبي زلط أستاذ التوضيح وعضو منظمة كبار العلماء بالأزهر لأن قذف السيدات أشنع، والعار الذي يلحق بهن نتيجة لـ هذا السلوك القبيح ممن قذفهن أقسى وأكثر خطراً.. لكن السيدات والرجال في الحكم هنا سواء. وعقوبة قذف المحصنات الوارد المقال أعلاها في كتاب الله الخاتم مثلما يقول عضو ممنهجة كبار العلماء بالأزهر عادلة ورادعة، وتؤكد حرص الإسلام الظاهر على الأدب الرفيع بين الناس، وعلى أن يتعامل الجميع بالكلمة الطيبة، ويبتعدوا عن الكلمة القبيحة،
وذلك لأن إلصاق التهم الباطلة بالشرفاء وخاصة النساء يتوعد استقرار المجتمع، وقد هدد الله سبحانه وتعالى من يرتكب جريمة القذف بهذه الجزاء المناسبة لجرمه، فكل من يتورط في هذه الجناية ولا يأتي بأربعة شهود تحول على ما أدعى وأشاع بين الناس فلابد أن يحصل على عقابه الرادع وهو «البشرة ثمانون جلدة»، وهناك عقوبتان أكثر قسوة هما عدم إستحسان شهادته، ونعته بالفسق، وما أقبحها من صفة.
ما هو حكم القذف في المحصنات ؟
3 إجراءات عقابية
ويضيف: إن الآية الكريمة ترشدنا إلى كيفية الفعل مع المتطاولين المسفين الذين يستهينون بأعراض النساء، وتقول: الذين يرمون السيدات الطاهرات المؤمنات بفاحشة الزنى، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يشهدون لهم على صحة ما قذفوهن به فاجلدوهم والخطاب هنا موجه إلى الحكام أو القضاء ثمانين جلدة عقاباً لهم على ما تفوّهوا به من سوء في حق هؤلاء المحصنات، ولا تقبلوا لهؤلاء القاذفين شهادة بأي حال من الأحوالً بسبب حماقتهم في إلصاق التهم الكاذبة بالأبرياء.
ثم نعت الله هؤلاء الذين يمارسون جناية قصف المحصنات بصفة كريهة ومرفوضة لكل إنسان يحمل شعوراً بالكرامة وعزة النفس، وهي كلامه سبحانه: «وأولئك هم الفاسقون»، أي، الخارجون عن أحكام شريعة الله تعالى وعن آدابها السامية.
إذن العقاب الإلهي لمن يتورطون في جناية قذف المحصنات يتمثل في 3 جزاءات رادعة هي:
«الجلد ثمانون جلدة»، وهي عقوبة نقدية قريبة من إجراءات عقابية الزنى، حيث تنبأ على الزناة جزاء الجلد مئة جلدة على غير المحصنين أي غير المتزوجين والرجم حتى الوفاة على المحصنين، أي المتزوجين، لأن لديهم ما يعفّون به أنفسهم بعيداً عن هذه الجرم النكراء.
عدم إستحسان شهادة القاذفين، ولذا إهدار لكرامتهم، وعى منبوذون، وأقوالهم غير مصدقة لدى الناس، لأنهم يمارسون أبشع صور الكذب، ولو شهدوا لا قبِل شهادتهم، حيث لم يعودوا متجر ثقة من الآخرين.
وصفهم بالفسق، وهي جزاء دينية يستحقونها، حيث خرجوا عن طاعة الله وعن آداب وأخلاقيات دينه.
فنحن هنا أمام ثلاث إجراءات عقابية متباينة يستحقها من يمارسون جرم القذف: الأولى مادية، وهي الجلد، والثانية معنوية وهي عدم موافقة شهاداتهم وإسقاط اعتبارهم في نظر الناس الذين يتعاملون بصحبتهم، والثالثة إجراء تأديبي دينية وهي الحكم عليهم بالفسق، وهم يستحقون كل ذاك إذ لم يقدروا قدر الجرم الذي يرتكبونه باتهامهم الشرفاء بتهمة قاسية تسيء إليهم وإلى أسرهم.
جريمة خطرة
* إلا أن.. لماذا كان ذلك التشدد في التصرف مع من يمارسون خطيئة تشويه سمعة الشرفاء؟
- يقول الفقيه الأزهري د. نصر مميز ألحق، مفتي مصر السالف وعضو منظمة كبار العلماء بالأزهر: هؤلاء يمارسون جريمة أخلاقية لها خطرها على المجتمع كله وينبغي أن ردعهم لصرفهم عن هذه الجناية وتحقيق الردع والزجر الضروري لكل من تسول له نفسه اتهام الشرفاء وتدنيس سمعة وشرف الأبرياء.
ويضيف: ليس في هذه المعاقبة قسوة كما يتوهم القلة، لكن فيها العدل كل العدل، والرحمة بالمجتمع كله، فكم من أسر انهارت نتيجة لـ ذائعة كاذبة أو تهمة غير عادلة، وكم من معارك إشتعلت بين أسر وعائلات سقط فيها العشرات من القتلى والمصابين نتيجة لـ تهمة أو كلمة سيئة قيلت في حق امرأة وجد أهلها في ذلك إساءة لهم معاً، فهبّوا يقتلون ويحرقون ويدمرون دفاعاً عن شرفهم وكرامتهم وسمعتهم الطيبة وصورتهم الحسنة بين الناس.
من هنا يؤكد د. أضاف أن مقصد التشدد مع هذه الجرم هو إدخار الحماية لأعراض المسلمين والمسلمات من ألسنة السوء وصيانة سمعة الشرفاء من كل ما يخدش كرامتهم ويجرح عفافهم، فما أمتن على النفوس الحرة الشريفة الطاهرة أن تلصق بها التهم الباطلة.
شروط وضوابط
وكعادة الشريعة الإسلامية في كل تشريعاتها وأحكامها المرتبطة بالعقوبات أحاطت تطبيق عقوبة القصف بشروط وضوابط من شأنها تحقق العدالة وحرم سقوط أي كمية من الظلم على من تطبق عليهم الجزاء.
يقول د. ألحق: هنالك محددات وقواعد وضوابط حددها الفقهاء كشروط ضابطة للتطبيق السليم، بعضها يتعلق بالقاذف، والآخر بالمقذوف وايضاًً المقذوف به.
فمن أبرز المحددات والقواعد التي ينبغي أن تتوافر في القاذف لأجل أن تتم إقامة فوقه إجراء عقابي القصف أن يكون «بالغاً وعاقلاً مختاراً»، لأن تلك الأشياء من أصول الإنفاذ، وإذا لم تتوافر لا يكون الشخص مكلفاً، وهكذا لا تطبق فوقه العقوبة.
أما فيما يتعلق للمقذوف الفرد الذي يتعرض للقذف فقد اشترط فيه الفقهاء كذلكً «الذهن»، لأن من ولقد ذهنه لا يتعلق ضرر جسيم بقذفه، ولذا لا يمنع من تأديب قاذفه بعقوبة أخرى تعزيرية، حتى لا نسيء الأدب في التصرف مع هؤلاء الذين حرمهم الله من نعمة العقل والتفرقة.
أيضا، يجب أن يكون الواحد المقذوف بالغاً، فلا يقام الحد على قاذف الضئيل والصغيرة، بل لابد أن يعاقب من يفعل هذا تأمين للصغار من حماقة الكبار وسوء أدبهم وتطاولهم على خلق الله من دون دلائل وبراهين.
ومن الشروط التي يقتضي توافرها في المقذوف وتوجب مورد رزق حاجز القذف على القاذف أن يكون المقذوف متمتعاً بحسن السمعة بين الناس، وأن يكون معروفاً في محيطه الاجتماعي بالاستقامة والعفاف والعدالة، لأن المنحرفين يتوقع أن من ضمنهم ارتكاب الفواحش والمنكرات.
واشترط الفقهاء كذلكً أن تكون الألفاظ المقذوف بها الشخص، واضحة المغزى والمعنى.
يقول د. ألحق: الفقهاء قسموا الألفاظ في القذف إلى ثلاثة أقسام هي:
الألفاظ الصريحة الجلية، كأن يقول فرد صارم عاقل لامرأة بالغة عاقلة «أنت زانية». ففي تلك الوضعية ينبغي إقامة الحد على ذاك القاذف إذا استقر كذبه، ولم يأت بأربعة شهود يؤيدونه في تصريحه.
ألفاظ الكنايات كأن يقول رجل لأمراة «أنت فاسقة» أو «أنت امرأة لعوب»، ففي تلك الوضعية انقسم الفقهاء فقال معظمهم لا يتم إقامة فوقه الحد ولكن يعاقب بعقوبات أخرى مناسبة، ويرى بعضهم وجوب مورد رزق الحد عليه حتى لا يرجع إلى التلفظ بهذه الألفاظ السيئة مرة أخرى.
ألفاظ صبر معنى التعريض، كأن يقول البالغ العاقل لآخر مثله وهما يتنازعان ويتشاجران «أنا لست بزان ولا أنا ابن زانية»، وما يشبه ذاك من الفقرات اللغوية المقصود منها ضمناً اتهام من يتشاجر برفقته بأنه زان وأمّه زانية، وهنا يرى بعض الفقهاء كما يظهر د. أضاف أن قائل ذلك الكلام يعاقب بما يراه القاضي مناسباً، بل لا يقام أعلاه الحد، لأن ألفاظ التعريض تحتمل القذف وغيره.
متى تثبت التهمة
وقد أجمع العلماء إلى أن حد القذف يثبت بإقرار القاذف على ذاته بأنه غاية من كلامه قصف غيره من البالغين العقلاء ورميهم بفاحشة الزنى، مثلما تثبت التهمة بشهادة رجلين عدلين بأن فلاناً العاقل البالغ قد صرح في حق غيره من البالغين العقلاء أو كتب في حقهم ما يدل إشارة صلبة على اتهامهم بالزنى. وهنا يجب مورد رزق الحد على القاذف إلا إذا جاء بأربعة شهداء يشهدون بصحبته بأنه بريء مما نسب إليه، وكانت شهاداتهم مقبولة.
وحد القذف يراه بعض الفقهاء من حقوق الله ويترتب على ذاك أنه إذا بلغ الوالي وجب فوق منه معيشته حتى ولو لم يطلب المقذوف مورد رزقه، ولا يسقط بعفوه، إلا أن مشجعين الفقهاء يصنفونه في إطار حقوق العباد، وبالتالي لا يجوز للحاكم أن يقيم الحد إلا إذا طالب المقذوف بإقامته ويسقط بعفوه وختاما.. ما أحوجنا في العالم الإسلامي إلى إجراءات عقابية رادعة لإنهاء تطاول المتطاولين على المظاهر والاقترانات، بعدما تشعب وتوسّع التطاول والإسفاف على ألسنة الناس من دون مراعاة لحرمة دينية ولا لمكانة اجتماعية ولا اعتبار لشرف أو كرامة.