مقالة اليوم العالمي للغة الأم اللغة الأمازيغية  … من المواضيع التي تؤرق الأمازيغيين، وتثير تفكيرهم، وتجعلهم دائما في حيرة جسيمة سواء أكان في المغرب الأقصى أم في نطاق دول المغرب الأمازيغي الضخم(تامازغا)، يتحتم أن استحضار قضية اللغة الأم التي أصبحت مثار اهتمام الشركات الحقوقية الوطنية والدولية والجمعيات الأمازيغية، حتى وجدنا جمعية منظمة الأمم المتحدة بدورها منشغلة باللغة الأم عبر مؤسسة اليونسكو، إذ خصصت لهذه القضية يوما عالميا تدافع بواسطته عن اللغة الأم، وتعتبرها بالفعل إنسانيا مشروعا لتلبية وإنجاز الإنماء الإنسانية، وتعديل التعليم، وإثراء الثقافة البشرية، وذلك على دشن المحبة، والأخوة، والتعاطف، والتسامح، والتعايش السلمي، والحوار التشييد، والجدل النافع.
إذاً، ماهو مفهوم لغة الأم؟ وماهي ميزات الأمازيغية بكونها لغة الأم ؟ وماهي المراحل التي مرت بها كينونة اللغة الأمازيغية تلفظا وكتابة على الدرجة والمعيار التاريخي ؟ وكيف نستطيع أن نفرض الأمازيغية بكونها اللغة الأصلية لسكان المغرب الأصليين نظريا وميدانيا وواقعيا؟ تلكم هي الإشكاليات التي سوف ننشد الإجابة عنها في موضوعنا هذا.

مفهوم لغة الأم:

نعني بلغة الأم (la langue maternelle) اللغة التي تشربها الغلام منذ ولادته في الظروف البيئية التي يقيم فيها، والوسط الذي ينتمي إليه لغويا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وحضاريا. ومن المعلوم أن الطفل يكتسب اللغة بطريقة عقلية فطرية وراثية ومنطقية كما يقول التوليديون التحويليون( نوام شومسكي) . ويعني هذا أن الصبي يولد وهو مجهز بالقوالب اللغوية الوراثية العقلية والمنطقية بأسلوب طبيعي، ويمكنه من خلال عدد من الأصوات والقواعد النحوية والصرفية والفونولوجية والتركيبية والدلالية المستضمرة أن يولد جملا لامتناهية العدد، وتلك النُّظُم هي ما تشكل ما يطلق عليه بالقدرة الفطرية لدى الطفل، ويترجمها إلى خطبة بواسطة الإنجاز.
ولا تعني لغة الأم اللغة المنطوقة لاغير، فهي زيادة عن هذا، حيث تشتمل اللغة والكتابة والهوية والثقافة والحضارة والكينونة، وتتجاوز ذاك إلى امتلاك الأرض والسلطة والتفوق، و الاستحواذ على الاعتراف الوطني والدولي واللغوي.
ذاك، وقد اعترفت ممنهجة اليونسكوUNES(=COUNESCO) ) باللغات الأم، ولذا بكونها إرثا إنسانيا حضاريا، وفعلا من حقوق الإنسان المدنية واللغوية والثقافية، كما أن تلك اللغات تعد من الآليات القوية للمحافظة على تراثنا الجوهري والروحي، وتطويره إيجابيا، وتعتبر أيضا من الوسائط الكفيلة لتحقيق الإنماء الآدمية والاقتصادية والاجتماعية، وأداة إجرائية لتسهيل الإتصال بين الأفراد والجماعات والشعوب بينما بينها.
هذا، وقد لوحظ اندثار الكثير من لغات الأم ؛ جراء هيمنة اللغات الدولية الكبرى، كالإنجليزية، والفرنسية، والإسپانية، واللغة العربية، واللغة الألمانية، واللغة الإيطالية. والهدف من الاعتراف باللغات الأم هو الجهد على خلق التنوع اللغوي والتربوي والثقافي والحضاري، والمساهمة في إثراء الإرث الثقافي الإنساني الدولي، وإظهار خصوصياته الأدبية والفكرية والفنية والعلمية.
علاوة على ذلك، أن ذلك الاعتراف يعتبر ما يطلق عليه بالتعددية الثقافية والخصوصية الحضارية، ولذا في مؤتمر العولمة، والتغريب، والإبعاد الثقافي، وصدام الحضارات الذي يوميء إليه المفتش الأمريكي صمويل هنتغتون، ونهاية التاريخ الذي يلاحظ إليه الياباني فوكوياما.
ومن هنا، فالاعتراف باللغة الأم مبني في أدبيات اليونسكو على التسامح والتعايش والتضامن والتعاون، وإثراء المنظومة الحضارية العالمية الإنسانية التي تتسم بالتنوع اللغوي والثراء الثقافي.
ذلك، وقد تم النشر والترويج عن اليوم العالمي للغة الأم من قبل اليونسكو بپاريس لأول مرة في شهر تشرين الثاني من سنة 1999م، وقد تم الإجماع على جعل يوم 21 فبراير اليوم العالمي للغة الأم، ولذا إسناد على ماتعرض إليه الطلاب والطالبات البنغاليون الخمس الذين ضحوا بأنفسهم بهدف الدفاع عن لغتهم الأم في طوال تكون باكستان الشرقية، وانفصالها عن الهند الكبرى، فنتج عن ذاك استقلال بانگلاديش في غضون معركة الإعتاق في 21 فبراير من سنة 1952م .
وقد قال مدير اليونسكو الياباني كويشيرو ماتسورا Koïchiro Matsuura بأن اللغة الأم لاتشكل خزانا للتراث الثقافي والمادي فقط، لكن تعبر ايضا عن ميسم الإبداع البشري في تنوعه. وقد أحصى اليونسكو وجود 6 آلاف لغة يتم الحوار بها في الدنيا تعبر عن التعليم المتنوع، والثقافات المتعددة، واللغات المتغايرة من أجل خلق عالم، يتواصل فيه الناس بكل محبة ويسر، وتتفاعل فيه الأمم، وتتثاقف على دشن التسامح والتعايش الإنشاء.

مقالة اليوم العالمي للغة الأم اللغة الأمازيغية

من المعروف أن الأمازيغية هي لغة الأم لسكان شمال أفريقيا أو لأهالي تامازغا من منطقة سيوة في مصر شرقا إلى جزر الكناريا بالمحيط الأطلسي غربا، ومن حوض البحر الأبيض (الأندلس وصقلية) شمالا إلى دول الصحراء الكبرى جنوبا(موريطانيا ومالي والنيجر). وتعتبر اللغة الأمازيغية من أقدم اللغات في الكوكب بجوار اللغة الفرعونية، واللغة الفينيقية، واللغة اليونانية، واللغة العبرية. وتنتمي تلك اللغة إلى الفصيلة الحامية بجوار المصرية والكوشيطية . وتسمى كتابة الأمازيغيين بتيفيناغ أو تفنغ Tifinag أي خطنا أو كتابتنا، وقد وصلتنا تلك الكتابة مخطوطة عبر مجموعة من النقوش والصخور وشواهد القبور منذ آلاف من الأعوام، ولدينا من هذا زيادة عن 1000 نقش على الصفائح الصخرية .
هذا، وقد انحدرت الأبجدية تيفيناغ – وفق المحقِّق الجزائري بوزياني الدراجي- عن ” أبجدية لوبية قديمة، وهي لا تزال مستعملة- في هذه الأيام- ضمن الأوساط التارقية؛ وتمتاز باعتبارها لغة صامتة consonantique ؛ وكانت في البداية تكتب منفصلة في الاتجاهات جميعها: من اليمين إلى الشمال، ومن الجهة الشمالية إلى الأيمن؛ ثم من الأعلى إلى الأدنى، ومن الأدنى إلى الأعلى. وحروفها ليست كاملة حتى حاليا… وكانت تلك الكتابة المعروفة بالليبية أو اللوبية ذائعة في كامل بلاد المغرب السحيق. بل تعتبر من أقدم الكتابات في لغات القارة الأفريقية؛ بجانب الكتابة الإثيوبية المعروفة بالمروية. كما أنها مصنفة في إطار أقدم لغات العالم. وقد اختلف المتخصصون في أصولها الأولى، فمن قائل أنها تنتمي إلى الأسرة السامية، إلى قائل بانتمائها إلى الأسرة اللغوية الحامية؛ بينما اشتط آخرون في حكمهم بمثابها يافثية المصدر…”.
ويرى محمد شفيق بأن الأمازيغية قد شكلت شخصية الإنسان البربري تشكيلا شعوريا ولاشعوريا، وكونت الإنسية المغربية، وسمات هوية ساكنة بلاد تامازغا منذ ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، وأن البربرية لغة لائحة بذاتها، تتفرع عنها مجموعة من اللهجات كتاريفيت، وتاشلحيت، وتامازيغت، والقبائلية، و الشاوية،وبنو مزاب، و بنو حسَن، و الطوارق (الملثمون)، وتتحول تلك اللهجات بدورها إلى لغات تتفرع عنها عدد من اللهجات مثلما هو حال الريفية التي تتفرع عنها لهجة بني توزين، ولهجة آيت بني ورياغل، وآيت وليشيك….
هذا، وتتسم هذه اللغة بالوحدة في بناها النحوية والتركيبية والصرفية، مع وجود تغيرات متواضعة دلاليا ومعجميا وفونولوجيا. وتنماز تلك اللغة كذلك بمرونة الاشتقاق ( يتفاعل فيها الاشتقاق الأصغر والأكبر)، والنحت، واستيعابها لقانوني التركيب المزجي والتمزيغ،ومقدرتها على الإتصال والتطور والتزايد، وتأرجحها بين الشفوية والكتابة. وتعتبر اللغة الأمازيغية ايضا من اللغات الحية التي مازالت تستعمل شمال أفريقيا إلى يومنا ذاك، وقد حافظت على كيانها الذاتي، ومقوماتها اللسنية والثقافية والحضارية، وذلك على الرغم من خضوع البرابرة لمجموعة من الأمم الاستعمارية المتغطرسة أوالشعوب المستبدة المطلقة في حكمها(القرطاجنيون، والمصريون،والرومان، والوندال، والبيزنطيون، والعرب، والاستعمار التابع للغرب) .
ومن ثم، خسر أعطيت لكلمة تيفيناغ، التي تعرب عن اللغة الأم لساكنة أفريكا ونوميديا وموريطانيا – وفق محمد شفيق-، تأويلات وافرة، ” وأسرعها إلى العقل، هو أن الكلمة مشتقة من (فينيق، فينقيا)،وما إلى هذا. قد يطابق ذاك منشأ هذه التسمية، وربما لاعلاقة له به، ولكن المحقق هو أن الكتابة الأمازيغية غير منقولة عنها، بل رجح الاعتقاد بأنها والفينيقية تنتميان إلى نماذج قديمة جدا، لها علاقة بالحروف التي اكتشفت في جنوبي الجزيرة العربية. لقد كانت الأبجدية الأمازيغية في المراحل الأولى من وجودها تتركب من حروف صامتة هي المعنية بتيفيناغ، ويتصور أن عدد تلك الحروف الصامتة كان 16 حرفا، وأنه صار 23 حرفا في فترة حكم المملكة المازيلية النوميدية. وقد أضيفت إلى الحروف الصامتة consonnes، في زمن متأخر، حروف صائتة Voyelles سميت ” تيدباكين”، تقابل الفتحة والكسرة والضمة. ويشار إليها باسم الأبجدية في مجموعها”أگامك”. كان الأمازيغيون القديمين يكتبون بتلك الحروف، على جدران الكهوف وعلى الصخور، من الأعلى إلى الأسفل، في أول عهدهم بالكتابة؛ ثم كتبوا في مختلف الاتجاهات، ودام ذاك الشأن إلى أواخر القرن الـ9 عشر الميلادي، إذ إنتهاج التوارگ يستقرون على الكتابة من اليمين إلى الأيسر تقليدا لما هو معمول به في العربية.”
وعلى أي، فالأمازيغية هي اللغة الأم بالنسبة لسكان في شمال أفريقيا، وبها نقلوا تجاربهم المعيشية، وعبروا عن أفكارهم ومشاعرهم، مثلما تثبت أن ذلك آدابهم وفنونهم ومعارفهم وعلومهم، فيما تيفيناغ هي كتابتهم التي خضعت لعدد من التطورات، لتصير بهذا الشكل الذي أقره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية IRCAM، والذي يجمع بين في طياته 33 حرفا أيقونيا، وكل حرف يحمل في طياته ذاكرة رمزية، ويحوي دلالات بصرية ولغوية عميقة في الزمان الماضي الأنتروبولوجي البربري.