خطبة الإسراء والمعراج للسديس … إن الحمدلله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه من بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً. بلغ الرسالة وأدّى الأمانة وحذرَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه.
دعواتُ اللهِ وسلامه فوق منه وعلى كلِّ رسولٍ أرْسَلَه. أما بعدُ، عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله العليّ الضخم. يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ (سورة الاسراء/1).
ذكرى معجزة الإسراء والمعراج
إعتاد المسلمون إحياء ذكرى معجزة الإسراء والمعراج التي حصلت في السّابع والعشرين من رجب.
ليلة السّابع والعشرين من رجب 1443 تكون بين يوم الاحد 27 والاثنين 28-2-2022
إخوةَ الإيمان، إن الإسراء والمعراج من معجزاتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. أما الإسراء فثبَتَ بنصِّ القرآن والعصريِ السليمِ، فيجبُ الإيمان بأنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَسرى الله بهِ ليلاً من مكَّةَ إلى المسجدِ الأقصى. وقد أتى في توضيحِ الآيةِ ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾ السَّبْحُ في اللُّغَةِ التَّباعُدُ ومعنى سَبِّح اللهَ هلم أي بَعِّدْهُ ونزِّهْهُ سيطرّا لا يجب. وتصريحه ﴿بِعَبْدِهِ﴾ أي بمحمَّد. ونِسبةُ النبيِّ إلى ربِّه بوصفِ العبوديّة قصدُ الشَّرَفِ للرّسولِ لأنَّ عِبَادَ اللهِ كثير فَلِمَ خَصَّهُ في هذهِ الآيةِ بالذكّرِ ؟ ذاك لتخصيصهِ بالشَّرَفِ الأعظَم.
والمقصود من المعراج هو تشريف الرّسول باطّلاعه على عجائب العالم العُلوي. أمّا الله تعلى فهو موجود من دون موضع ولا يجري فوق منه زمان، لا يقيم سماءً ولا أرضًا، إلا أن هو خالق السّماء والأرض والعرش والكرسيّ ولا يتطلب إلي شىءٍ من خلقه، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ [سورة الشورى آية 11]. يقولُ الإمام عليٌ رضي الله سبحانه وتعالى عنه: « كَانَ اللَّهُ وَلاَ مَكَانَ وَهُوَ حالياَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ ». ويقول ايضاًً في تنـزيه الله عن القٌعود: « إنَّ الله خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذهُ مَكَاناً لِذَاتِهِ ». رواه أبو منصور البغدادي في كتابه الإختلاف بين الفرق.
ومن نسب المكان أو المنحى لله لا يكون مسلما، وعليه الرّجوع للإسلام بالنُّطق بالشّهادتين مع ترك الاعتقاد التالف.
وقولُهُ تعالى ﴿لَيْلاً﴾ إنَما قال ﴿لَيْلاً﴾ مع أنَّ الإسراءَ لا يكونُ إلاّ في الليل لأنّه أراد به تأكيدَ تقليلِ مُدّةِ الإسراءِ فإنَّهُ أُسريَ بهِ في بعْضِ اللّيلِ مِن مكَّةَ إلى الشَّام.
وقولُهُ تعالى ﴿ مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ﴾ إنّما سُمّيَ المسجدُ الحرامُ لحُرمَتِهِ أي لشَرَفِهِ على سائرِ المساجدِ لأنَّهُ خُصَّ بأحكامٍ ليسَتْ لغيره. والمسجدُ الأقصى إنما سُمِّيَ بذلكَ لبُعْدِ المسافةِ بينَهُ وبينَ المسجدِ الحرامِ.
وقولُهُ تعالى ﴿ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ قيلَ لأنّه مَقَرُّ الأنبياءِ ومَهبِطُ الملائكةِ، لذلكَ قالَ إبراهيم عليهِ السلام ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ أي إلى حيثُ وجَّهَنِي ربِّي أي إلى بَرِّ الشامِ لأنهُ عَرَفَ بتعريفِ اللهِ إيّاهُ أنَّ الشامَ مَهْبِطُ الرَّحماتِ وأنَّ أكثرَ الوحْيِ يكونُ بالشامِ وأنَّ أكثرَ الأنبياءِ كانُوا بها.
قال تعالى ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ أي ما رأى تلكَ الليلةَ من العجائبِ والآياتِ التي تَدُلُّ على قدرةِ الله.